فصل: الحديث الثَّانِي عشر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث العَاشِر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: «فِي كل إِصْبَع عشر من الْإِبِل».
هَذَا الحَدِيث بعض من الحَدِيث الَّذِي فَرغْنَا آنِفا مِنْهُ، وَذكره صَاحب الْمُهَذّب من هَذَا الْوَجْه، وَمن حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب أَيْضا، وَقد عزيته فِي تخريجي لأحاديثه، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره من حَدِيث ابْن عَبَّاس وَأبي مُوسَى أَيْضا.

.الحديث الحَادِي عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا قتلتم فَأحْسنُوا القتلة، وَإِذا ذبحتم فَأحْسنُوا الذبْحَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه وَهُوَ من أَفْرَاده من حَدِيث أبي يعْلى شَدَّاد بن أَوْس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
«إِن الله كتب الْإِحْسَان عَلَى كل شَيْء، فَإِذا قتلتم فَأحْسنُوا القتلة، وَإِذا ذبحتم فَأحْسنُوا الذبْحَة، وليحد أحدكُم شفرته وليرح ذَبِيحَته». وَرَوَاهُ أَحْمد وأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه بِلَفْظ: «الذّبْح» وَهُوَ بِفَتْح الذَّال بدل: «الذبْحَة»، كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ وَهُوَ فِي كثير من نسخ مُسلم، وللنسائي رِوَايَة أُخْرَى كالأولى.
فَائِدَة: القِتلة والذِّبحة- بِكَسْر الْقَاف والذال- أَي: هَيْئَة الْقَتْل وَالذّبْح. وَقَوله «وليُحِد» هُوَ بِضَم الْيَاء وَكسر الْحَاء، يُقَال: أحد السكين وحددها واستحدها، كل ذَلِك بِمَعْنى.

.الحديث الثَّانِي عشر:

«أَن الغامدية أَتَت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: زَنَيْت فطهرني، وَالله إِنِّي لحُبلى. قَالَ: اذهبي حَتَّى تلدي. فَلَمَّا ولدت أَتَت بِالصَّبِيِّ فِي خرقَة فَقَالَت: هَذَا قد وَلدته. قَالَ: اذهبي فأرضعيه. فَلَمَّا فَطَمته أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَده كسرة خبز فَقَالَت: قد فَطَمته، فَدفع الصَّبِي إِلَى رجل من الْمُسلمين وَأمر برجمها».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه وَهُوَ حَدِيث طَوِيل يشْتَمل عَلَى قصَّتهَا وقصة مَاعِز الْأَسْلَمِيّ، وَسَيَأْتِي بِطُولِهِ فِي حد الزِّنَا إِن شَاءَ الله، وَجَاء فِي صَحِيح مُسلم أَيْضا مَا ظَاهره: أَنه رَجمهَا عقب الْولادَة فتأول.

.الحديث الثَّالِث عشر:

عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: «من حرَّق حرقناه، وَمن غرق غرقناه».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وخلافياته من حَدِيث بشر بن حَازِم، عَن عمرَان بن نَوْفَل بن يزِيد بن الْبَراء، عَن أَبِيه، عَن جده، أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من عرض عرضنَا لَهُ، وَمن حرق حرقناه، وَمن غرق غرقناه». رَوَاهُ هَكَذَا وَسكت عَلَيْهِ، وَذكره فِي الْمعرفَة وَقَالَ: فِي هَذَا الْإِسْنَاد بعض من يجهل. ذكر فِي أثْنَاء السّرقَة وَأما ابْن الْجَوْزِيّ فَقَالَ فِي تَحْقِيقه: إِنَّه لَا يثبت عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا قَالَه زِيَاد فِي خطبَته.

.الحديث الرَّابِع عشر:

ورد أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا قَود إِلَّا بِالسَّيْفِ».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق كلهَا ضَعِيفَة:
أَحدهَا: من طَرِيق النُّعْمَان بن بشير رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا رَوَاهُ ابْن مَاجَه كَذَلِك وَالطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه وَلَفظه: «لَا عمد إِلَّا بِالسَّيْفِ». وَالْبَيْهَقِيّ وَلَفظه: «لَا قَود إِلَّا بحديدة» وَالْبَزَّار فِي مُسْنده وَلَفظه: «الْقود بِالسَّيْفِ، وَلكُل خطأ أرش» وعلته جَابر الْجعْفِيّ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: مطعون فِيهِ. وَقَالَ فِي الْمعرفَة: ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ وَاخْتلف عَلَيْهِ فِي لَفظه. وَوَقع فِي تَحْقِيق ابْن الْجَوْزِيّ هُنَا أَنهم اتَّفقُوا عَلَى تَكْذِيبه، وَهُوَ غَرِيب مِنْهُ، وَقد قَالَ هُوَ فِي مَوضِع آخر: اعْترض عَلَيْهِ بِتَضْعِيف جَابر أما جَابر فقد وَثَّقَهُ الثَّوْريّ وَشعْبَة، وناهيك بهما. فَكيف يَقُول هَذَا ثمَّ يَحْكِي الِاتِّفَاق! وَفِي سنَن الْبَيْهَقِيّ: قيس بن الرّبيع وَقد ضَعَّفُوهُ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا بِلَفْظ: «كل شَيْء خطأ إِلَّا السَّيْف، وَفِي كل خطأ أرش». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «كل شَيْء خطأ إِلَّا مَا كَانَ بحديدة، وَلكُل خطأ أرش». وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده بِلَفْظ: «لكل شَيْء خطأ إِلَّا بِالسَّيْفِ، وَلكُل خطأ أرش». وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ بِلَفْظ: «لَا قَود إِلَّا بحديدة» وَفِي سَنَده قيس السالف. وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ بِلَفْظ: «لَا قَود إِلَّا بِالسَّيْفِ» وَفِيه مَكَان قيس هَذَا سُفْيَان الثَّوْريّ كَمَا فِي إِحْدَى روايتي الدَّارَقُطْنِيّ، وَأَبُو عَازِب الْمَذْكُور فِي رواياتهم لَيْسَ بِمَعْرُوف، واسْمه مُسلم بن عَمْرو، كَمَا قَالَه أَبُو حَاتِم وَغير وَاحِد، وَقَالَ غَيره: اسْمه مُسلم بن أَرَاك. وَوَقع كَذَلِك فِي إِحْدَى روايتي الدَّارَقُطْنِيّ.
ثَانِيهَا: من حَدِيث أبي بكرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا كَذَلِك رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ قَالَ الْبَزَّار: لَا نعلم أحدا أسْنده بِأَحْسَن من هَذَا الْإِسْنَاد وَلَا نعلم أحدا قَالَ: عَن أبي بكرَة إِلَّا الْحر بن مَالك وَلم يكن بِهِ بَأْس، وَأَحْسبهُ أَخطَأ فِي هَذَا الحَدِيث؛ لِأَن النَّاس يَرْوُونَهُ عَن الْحسن مُرْسلا. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَالْبَزَّار يرويهِ عَن شيخ لَهُ يُقَال لَهُ: أَبُو زيد الأبلي، عَن الْحر بن مَالك الْمَذْكُور وَلَا أعرف حَال أبي زيد هَذَا. وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم فِي الْحر بن مَالك: لَا بَأْس بِهِ. قلت: فِيهِ مَعَ ذَلِك مبارك بن فضَالة وَثَّقَهُ قوم، وَضَعفه آخَرُونَ، أخرج لَهُ البُخَارِيّ مُتَابعَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم فِي صَحِيحَيْهِمَا ووثقاه. وَقَالَ عَفَّان: كَانَ ثِقَة وَكَانَ وَكَانَ. وَاخْتلف قَول يَحْيَى فِيهِ، وَكَانَ ابْن عدي لَا يروي عَنهُ، أنكر أَحْمد قَوْله فِي غير حَدِيث عَن الْحسن، ثَنَا عمرَان. وَأَصْحَاب الْحسن لَا يَقُولُونَ ذَلِك وَكَانَ يُدَلس، وَقَالَ أَبُو زرْعَة: كَانَ يُدَلس كثيرا فَإِذا قَالَ حَدثنَا فَهُوَ ثِقَة. وَقَالَ يَحْيَى الْقطَّان: لم أقبل مِنْهُ شَيْئا قطّ إِلَّا شَيْئا يَقُول فِيهِ حَدثنَا، وَحَدِيثه هَذَا لم يقل فِيهِ حَدثنَا وَإِنَّمَا رَوَاهُ بِلَفْظ عَن. وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف الحَدِيث. وَقَالَ السَّعْدِيّ: يضعف. وَقَالَ أَحْمد لرجل سَأَلَهُ عَنهُ: دَعه، وَلم يعبأ بِهِ. وَقَالَ عبد الْحق: أسْند الْحر بن مَالك هَذَا لَا بَأْس بِهِ، وَالنَّاس يرسلونه عَن الْحسن. وَفِي خلافيات الْبَيْهَقِيّ أَن هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِالْقَوِيّ، ومبارك غير مُحْتَج بِهِ تَركه ابْن مهْدي وَابْن سعيد فَمن بعدهمَا؟! قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَنهُ؟ فَقَالَ: حَدِيث مُنكر. وَقَول الْبَزَّار: لَا نعلم أحدا قَالَ فِيهِ عَن مبارك، عَن الْحسن، عَن أبي بكرَة غير الْحر بن مَالك. غَرِيب، فَإِنَّهُ قد قَالَ ذَلِك غير مبارك، الوليدُ بن صَالح، ذكره الدَّارَقُطْنِيّ كَمَا أَفَادَهُ ابْن الْقطَّان. قلت: وَفِي الْبَيْهَقِيّ الْوَلِيد بن مُسلم بدل ابْن صَالح.
ثَالِثهَا: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا كَذَلِك. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا وعلته أَبُو معَاذ سُلَيْمَان بن أَرقم، وَهُوَ مَتْرُوك، وَنقل ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه أَنهم أَجمعُوا عَلَى تَركه، وَقَالَ فِي علله: إِنَّه حَدِيث لَا يَصح.
رَابِعهَا: من حَدِيث عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا: «لَا قَود فِي النَّفس وَغَيرهَا إِلَّا بحديدة». رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ كَذَلِك وعلته مُعلى بن هِلَال وَهُوَ كَذَّاب وَضاع، قَالَ أَحْمد: مَتْرُوك الحَدِيث، حَدِيثه مَوْضُوع كذب.
خَامِسهَا: من حَدِيث ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا إِلَّا بِسَيْفِهِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه كَذَلِك وَالْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ: «لَا قَود إِلَّا بسلاح» وعلته عنعنة بَقِيَّة وَأَبُو معَاذ سُلَيْمَان بن أَرقم الْمَتْرُوك السالف.
سادسها: من حَدِيث جَابر الْجعْفِيّ وَأَبُو عَازِب عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ مَرْفُوعا: «لَا قَود إِلَّا بِالسَّيْفِ وَالْخَطَأ عَلَى الْعَاقِلَة» ذكره الْمزي فِي أَطْرَافه وعلته جَابر الْجعْفِيّ وَأَبُو عَازِب السالف، وَفِيه أَيْضا أَبُو شيبَة وَهُوَ غير مُحْتَج بِهِ.
فتلخص من هَذَا كُله ضعف الحَدِيث من جَمِيع طرقه الْمَذْكُورَة، وَقد صرح بضعفه جماعات من الْحفاظ مِنْهُم: الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ، فَإِنَّهُ لما أخرجه من طَرِيق ابْن مَسْعُود والنعمان وَأبي بكرَة قَالَ: هَذَا الحَدِيث لم يثبت لَهُ إِسْنَاد، مُعلى مَتْرُوك، وَسليمَان ضَعِيف، ومبارك لَا يحْتَج بِهِ، وَجَابِر مطعون فِيهِ. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي خلافياته، وَقَالَ فِي الْمعرفَة مَا ملخصه: أوجهه كلهَا ضَعِيفَة. وَمِنْهُم: عبد الْحق، فَإِنَّهُ ذكره فِي أَحْكَامه من طَرِيق أبي بكرَة والنعمان، وَضعفهمَا، ثمَّ قَالَ: وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث أَيْضا عَن عَلّي وَأبي هُرَيْرَة وَابْن مَسْعُود، وَكلهَا ضَعِيفَة وَمِنْهُم: ابْن الْجَوْزِيّ، فَإِنَّهُ ذكره فِي تَحْقِيقه من طَرِيق عَلّي، وَأبي هُرَيْرَة، وَابْن مَسْعُود، وضعفها كلهَا، وَلَعَلَّ الرَّافِعِيّ لما استشعر ضعف هَذَا الحَدِيث قَالَ: ورد. وَلم يجْزم بِرَفْعِهِ، هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب.

.وَأما آثاره فثمانية:

.أَحدهَا:

«أَن رجلَيْنِ شَهدا عِنْد عَلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَلَى رجل بِسَرِقَة فَقَطعه، ثمَّ رجعا عَن شَهَادَتهمَا. فَقَالَ: لَو أعلم أنكما تعمدتما لَقطعت أيديكما».
هَذَا الْأَثر رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي تَرْجَمَة بَاب وَهَذَا لَفظه: وَقَالَ مطرف، عَن الشّعبِيّ «فِي رجلَيْنِ شَهدا عَلَى رجل أَنه سرق فَقَطعه عَلّي، ثمَّ جَاءَا بآخر فَقَالَا: أَخْطَأنَا. فَأبْطل شَهَادَتهمَا فَأخذ بدية الأول، وَقَالَ: لَو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما». وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان، عَن مطرف، عَن الشّعبِيّ «أَن رجلَيْنِ شَهدا عِنْد عَليّ بِالسَّرقَةِ فَقطع عَليّ يَده، ثمَّ جَاءَا بآخر، فَقَالَا: هَذَا هُوَ السَّارِق وأخطأنا عَلَى الأول». وَفِي رِوَايَة لَهُ «لَا الأول فأغرم عَلَى الشَّاهِدين دِيَة الْمَقْطُوع الأول وَقَالَ: لَو أعلم أنكما تعمدتما لَقطعت أيديكما. وَلم يقطع الثَّانِي». قَالَ الشَّافِعِي: بِهَذَا نقُول. قلت: وَإِسْنَاده صَحِيح، عَلَى رَأْيه.

.الْأَثر الثَّانِي:

«أَن رجلا قتل آخر فِي عهد عمر، فطالب أولياءه بالقود، ثمَّ قَالَت أُخْت الْقَتِيل- وَكَانَت زَوْجَة الْقَاتِل-: قد عَفَوْت عَن حَقي. فَقَالَ عمر: عتق الرجل».
هَذَا الْأَثر رَأَيْت من عزاهُ إِلَى رِوَايَة عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن الْأَعْمَش، عَن زيد بن وهب: «أَن عمر بن الْخطاب رفع إِلَيْهِ رجل فَقَالَت امْرَأَة الْقَاتِل: قد عَفَوْت عَن حَقي من زَوجي. فَقَالَ عمر: عتق الرجل من الْقَتْل». وَترْجم الْبَيْهَقِيّ فِي بَاب عَفْو بعض الْأَوْلِيَاء عَن الْقصاص دون بعض ثمَّ صَدره بِحَدِيث عَائِشَة الْمَرْفُوع «عَلَى المقتتلين أَن ينحجزوا الأول فَالْأول، وَإِن كَانَت امْرَأَة». وَإِسْنَاده صَحِيح. قَالَ أَبُو عبيد: مَعْنَاهُ أَن يقتل الْقَتِيل وَله وَرَثَة رجال وَنسَاء، يَقُول: فَأَيهمْ عَفا عَن دَمه من الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب من رجل أَو امْرَأَة فعفوه جَائِز؛ لِأَن قَوْله: «ينحجزوا» يَعْنِي يكفوا عَن الْقود. ثمَّ ذكر الْبَيْهَقِيّ بعده بِإِسْنَاد صَحِيح، عَن زيد بن وهب أَنه قَالَ: «وجد رجل عِنْد امْرَأَته رجلا فَقَتلهَا، فَرفع ذَلِك إِلَى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَوجدَ عَلَيْهَا بعض إخوتها فَتصدق عَلَيْهِ بِنَصِيبِهِ فَأمر عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لسائرهم بِالدِّيَةِ». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَن رجلا قتل امْرَأَته استعدى ثَلَاثَة إخْوَة لَهَا عَلَيْهِ، فَرفع ذَلِك إِلَى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَعَفَا أحدهم، فَقَالَ عمر للباقين: خذا ثُلثي الدِّيَة فَإِنَّهُ لَا سَبِيل إِلَى قَتله». وَرَوَى الشَّافِعِي، عَن مُحَمَّد بن الْحسن، عَن أبي حنيفَة، عَن حَمَّاد، عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: «أَن عمر بن الْخطاب أُتِي بِرَجُل قد قتل عمدا فَأمر بقتْله، فَعَفَا بعض الْأَوْلِيَاء فَأمر بقتْله، فَقَالَ ابْن مَسْعُود: كَانَت النَّفس لَهُم جَمِيعًا، فَلَمَّا عَفا هَذَا أَحْيَا النَّفس فَلَا يَسْتَطِيع أَن يَأْخُذ حَقه حَتَّى يَأْخُذ غَيره فَمَا ترَى؟ قَالَ: أرَى أَن تجْعَل الدِّيَة عَلَيْهِ فِي مَاله وترفع حِصَّته الَّتِي عَفا. فَقَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَأَنا أرَى ذَلِك». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا مُنْقَطع- أَي بَين إِبْرَاهِيم وَعمر- والموصول قبله يؤكده.

.الْأَثر الثَّالِث:

«أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَوْصَى وَهُوَ مَجْرُوح: لَا يعِيش مثله».
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَلَو أصَاب الحشوة خرق وَقطع وَكَانَ يتقين مَوته بعد يَوْم أَو يَوْمَيْنِ فَهُوَ الَّذِي يجب الْقصاص بقتْله وَعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَذَلِك عَلَى مَا رُوِيَ «أَن الطَّبِيب سقَاهُ لَبَنًا فَخرج من جروحه لما أصَاب أمعاءه من الْخرق، فَقَالَ الطَّبِيب: اعهد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ».
هَذَا هُوَ الْأَثر الْوَارِد فِي وَفَاة عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَقد أخرجه البُخَارِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي صَحِيحه مطولا من حَدِيث عَمْرو بن مَيْمُون الْأَزْدِيّ قَالَ: رَأَيْت عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قبل أَن يصاب بأيام بِالْمَدِينَةِ وَقد وَفد عَلَيْهِ حُذَيْفَة بن الْيَمَان وَعُثْمَان بن حنيف، قَالَ: كَيفَ فعلتما؟ تخافان أَن تَكُونَا قد حملتما الأَرْض مَا لَا تطِيق؟ قَالَا: حملناها أمرا هِيَ لَهُ مطيقة وَمَا فِيهَا كَبِير فضل. فَقَالَ: انظرا أَن تَكُونَا حملتما الأَرْض مَا لَا تطِيق. فَقَالَا: لَا. فَقَالَ عمر: لَئِن سلمني الله لأدعنَّ أرامل أهل الْعرَاق لَا يحتجن إِلَى أحد بعدِي أبدا. فَقَالَ: فَمَا أَتَت إِلَّا رَابِعَة حَتَّى أُصِيب. قَالَ عَمْرو بن مَيْمُون: وَإِنِّي لقائم مَا بيني وَبَينه إِلَّا عبد الله بن عَبَّاس غَدَاة أُصِيب- وَكَانَ إِذا مرَّ بَين الصفين قَامَ بَينهمَا، فَإِذا رَأَى خللاً قَالَ: اسْتَووا. حَتَّى إِذا لم ير فيهم خللاً تقدم فَكبر، وَرُبمَا قَرَأَ سُورَة يُوسُف أَو النَّحْل أَو نَحْو ذَلِك فِي الرَّكْعَة الأولَى حَتَّى يجْتَمع النَّاس- فَمَا هُوَ إِلَّا أَن كبر فَسَمعته يَقُول: قتلني- أَو أكلني- الْكَلْب. حِين طعنه فطار العلج بسكين ذَات طرفين لَا يمر عَلَى أحد يَمِينا وَلَا شمالاً إِلَّا طعنه، حَتَّى إِذا طعن ثَلَاثَة عشر رجلا مَاتَ مِنْهُم تِسْعَة- وَفِي رِوَايَة: سَبْعَة- فَلَمَّا رَأَى ذَلِك رجل من الْمُسلمين طرح عَلَيْهِ برنسًا فَلَمَّا ظن العلج أَنه مَأْخُوذ نحر نَفسه، فَتَنَاول عمر يَد عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فقدمه، فَأَما من كَانَ يَلِي عمر فقد رَأَى الَّذِي رَأَيْت، وَأما نواحي الْمَسْجِد فَإِنَّهُم لَا يَدْرُونَ مَا الْأَمر غير أَنهم فقدوا صَوت عمر وهم يَقُولُونَ: سُبْحَانَ الله، سُبْحَانَ الله. فَصَلى بهم عبد الرَّحْمَن صَلَاة خَفِيفَة فَلَمَّا انصرفوا، قَالَ: يَا ابْن عَبَّاس، انْظُر من قتلني. فجال سَاعَة ثمَّ جَاءَ فَقَالَ: غُلَام الْمُغيرَة. فَقَالَ: الصَّنَع؟ قَالَ: نعم. قَالَ: قَاتله الله لقد كنت أمرت بِهِ مَعْرُوفا، الْحَمد لله الَّذِي لم يَجْعَل ميتتي بيد رجل مُسلم، قد كنت أَنْت وَأَبُوك تحبان أَن تكْثر العلوج بِالْمَدِينَةِ. وَكَانَ الْعَبَّاس أَكْثَرهم رَقِيقا، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِن شِئْت فعلت- أَي إِن شِئْت قتلنَا- قَالَ: بَعْدَمَا تكلمُوا بلسانكم، وصلوا قبلتكم، وحجوا حَجكُمْ؟! فَاحْتمل إِلَى بَيته فَانْطَلَقْنَا مَعَه، وَكَأن النَّاس لم تصبهم مُصِيبَة قبل يَوْمئِذٍ، فَقَائِل يَقُول: أَخَاف عَلَيْهِ. وَقَائِل يَقُول: لَا بَأْس. فَأتي بنبيذ فشربه فَخرج من جَوْفه، ثمَّ أُتِي بِلَبن فشربه فَخرج من جَوْفه، فعملوا أَنه ميت، قَالَ: فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَجَاء النَّاس يثنون عَلَيْهِ، وَجَاء رجل شَاب فَقَالَ: أبشر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ببشرى الله- عَزَّ وَجَلَّ- قد كَانَ لَك من صُحْبَة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقدم فِي الْإِسْلَام مَا قد عَلمته، ثمَّ وليت فعدلت، ثمَّ شَهَادَة. قَالَ: وددت أَن ذَلِك كَانَ كفافًا لَا عَلّي وَلَا لي. فَلَمَّا أدبر الرجل إِذا إزَاره يمس الأَرْض، فَقَالَ: ردوا عليَّ الْغُلَام. فَقَالَ: يَا ابْن أخي، ارْفَعْ ثَوْبك؛ فَإِنَّهُ أنقى لثوبك وَأَتْقَى لربِّك، يَا عبد الله بن عمر، انْظُر مَا عَلّي من الدَّين. فحسبوه فوجدوه سِتَّة وَثَمَانِينَ ألفا أَو نَحوه، فَقَالَ: إِن وَفَى بِهِ مَال عمر فأده من أَمْوَالهم، وَإِلَّا فسل فِي بني عدي بن كَعْب، فَإِن لم تف أَمْوَالهم فسل فِي قُرَيْش وَلَا تعدهم إِلَى غَيرهم، وأدِّ عني هَذَا المَال، انْطلق إِلَى أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، فَقل: يقْرَأ عَلَيْك عمر السَّلَام، وَلَا تقل أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِنِّي لست للْمُؤْمِنين أَمِيرا ويستأذن أَن يدْفن مَعَ صَاحِبيهِ. فَسلم وَاسْتَأْذَنَ، ثمَّ دخل عَلَيْهَا فَوَجَدَهَا قَاعِدَة تبْكي فَقَالَ: يقْرَأ عَلَيْك عمر السَّلَام ويستأذن أَن يدْفن مَعَ صَاحِبيهِ. فَقَالَت: كنت أريده لنَفْسي، ولأوثرنه بِهِ الْيَوْم عَلَى نَفسِي.
فَلَمَّا أقبل قيل: هَذَا عبد الله بن عمر قد جَاءَ. فَقَالَ: ارفعوني. فأسنده رجل إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا لديك؟ قَالَ: الَّذِي تحب يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَذِنت. فَقَالَ: الْحَمد لله، مَا كَانَ عليَّ مَا كَانَ شَيْء أهمُّ إليَّ من ذَلِك، فَإِذا أَنا قبضت فاحملوني، ثمَّ سلِّم فَقل يسْتَأْذن عمر بن الْخطاب فَإِن أَذِنت فأدخلوني، وَإِن ردتني فردوني إِلَى مَقَابِر الْمُسلمين. وَجَاءَت أم الْمُؤمنِينَ حَفْصَة وَالنِّسَاء تسترنها، فَلَمَّا رَأَيْتهَا قمنا، فولجت عَلَيْهِ فَبَكَتْ عِنْده سَاعَة، وَاسْتَأْذَنَ الرِّجَال فولجتُ دَاخِلا لَهُم فسمعنا بكاءها من الدَّاخِل، فَقَالُوا: أوص يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، اسْتخْلف. قَالَ: مَا أرَى أحدا أَحَق بِهَذَا الْأَمر من هَؤُلَاءِ النَّفر- أَو الرَّهْط- الَّذين توفّي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ عَنْهُم رَاض، فَسَمَّى عليًّا وَعُثْمَان وَطَلْحَة وَالزبير وسعدًا وَعبد الرَّحْمَن، وَقَالَ: يشهدكم عبد الله وَلَيْسَ لَهُ من الْأَمر شَيْء- كَهَيئَةِ التَّعْزِيَة لَهُ- فَإِن أَصَابَت الإمرة سَعْدا فَهُوَ ذَاك، وَإِلَّا فليستعن بِهِ أَيّكُم مَا أُمِّر، فَإِنِّي لم أعزله من عجز وَلَا خِيَانَة. وَقَالَ: أوصِي الْخَلِيفَة بعدِي بالمهاجرين الْأَوَّلين، أَن يعرف لَهُم حَقهم ويحفظ لَهُم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيرا، الَّذين تبوءوا الدَّار وَالْإِيمَان من قبلهم، أَن يقبل من محسنهم وَيَعْفُو عَن مسيئهم، وأُوصيه بِأَهْل الْأَمْصَار خيرا، فَإِنَّهُم ردءُ الْإِسْلَام وجباة المَال وغيظ الْعَدو، وَأَن لَا يُؤْخَذ مِنْهُم إِلَّا فَضلهمْ عَن رضى مِنْهُم، وأوصيه بالأعراب خيرا، فَإِنَّهُم أصل الْعَرَب، ومادة الْإِسْلَام، أَن يُؤْخَذ من حَوَاشِي أَمْوَالهم ويُرد عَلَى فقرائهم، وأُوصيه بذمةِ الله وذمةِ رَسُوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يُوفي لَهُم بعهدهم، وَأَن يُقَاتل من ورائهم، وَلَا يُكلفوا إِلَّا طاقتهم. قَالَ: فَلَمَّا قبض خرجنَا بِهِ فَانْطَلَقْنَا نمشي فَسلم عبدُ الله بن عُمر وَقَالَ: يستأذنُ عمر بن الْخطاب. قَالَت: أدخلوه. فَأدْخل وَوضع هُنَالك مَعَ صَاحِبيهِ، فَلَمَّا فرغ من دَفنه اجْتمع هَؤُلَاءِ الرهطُ، فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: اجعلوا أَمركُم إِلَى ثلاثةٍ مِنْكُم. فَقَالَ الزبير: قد جعلت أَمْرِي إِلَى عَليّ. وَقَالَ طَلْحَة: قد جعلت أَمْرِي إِلَى عُثْمَان. وَقَالَ سعد: قد جعلتُ أَمْرِي إِلَى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: أيكما يبرأ من هَذَا الْأَمر فنجعله إِلَيْهِ، وَالله عَلَيْهِ وَالْإِسْلَام لينظرنَّ أفضلهم فِي نَفسه. فأسكت الشَّيْخَانِ، فَقَالَ عبد الرَّحْمَن: أفتجعلونه إليَّ، وَالله عليَّ أَن لَا آلو عَن أفضلكم؟ قَالَا: نعم. فَأخذ بيد أَحدهمَا فَقَالَ: لَك من قرَابَة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم والقدم فِي الْإِسْلَام مَا قد علمت، فَالله عَلَيْك لَئِن أمَّرْتُك لتعدِلنَّ، وَلَئِن أمَّرت عُثْمَان لتسمعنَّ ولتطيعن. ثمَّ خلا بِالْآخرِ فَقَالَ لَهُ مثل ذَلِك، فَلَمَّا أَخذ الْمِيثَاق قَالَ: ارْفَعْ يدك يَا عُثْمَان. فَبَايعهُ فَبَايع لَهُ عَلّي، وولج أهل الدَّار فَبَايعُوهُ. رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه بِكُل هَذَا اللَّفْظ، وَفِيه بعض أَلْفَاظ غَرِيبَة يَنْبَغِي أَن تضبط مِنْهَا: قَوْله: «الصَّنَع»: هُوَ بِفَتْح الصَّاد وَالنُّون، وَهُوَ الصَّانِع الْمجِيد المتقن وَالْمَرْأَة صناع. وَقَوله: «أَي لاَتَعْدُهم»: أَي لَا تجاوزهم، يُقَال: عداهُ يعدوه إِذا جاوزه إِلَى غَيره. و«الرَّقِيق» اسْم لجَمِيع العبيد وَالْإِمَاء. و«الْبُرْنُس»: قلنسوة طَوِيلَة كَانَ يلبسهَا الزهاد فِي صدر الْإِسْلَام. و«النَّبِيذ»: شراب هُوَ تمر أَو زبيب منبوذ فِي ماءٍ، وَالْمرَاد بِهِ الْحَلَال الْمُبَاح الَّذِي لَا يسكر.
وَقَوله: «فَإِنَّهُم ردءُ الْإِسْلَام» أَي عونه. وَقَاتل عمر هُوَ أَبُو لؤلؤة فَيْرُوز غُلَام الْمُغيرَة بن شُعْبَة عَدو الله، قيل: ضربه سِتّ ضربات.

.الْأَثر الرَّابِع:

لما ذكر الرَّافِعِيّ عَن عَطاء وَالْحسن الْبَصْرِيّ أَنَّهُمَا قَالَا: «إِذا قتل الرجل الْمَرْأَة يُخَيّر وَليهَا بَين أَن يَأْخُذ دِيَتهَا وَبَين أَن يقْتله ويبذل نصف دِيَته، وإِذا قتلت الْمَرْأَة الرجل يُخَيّر وليه بَين أَن يَأْخُذ جَمِيع دِيَته من مَالهَا وَبَين أَن يَقْتُلهَا وَيَأْخُذ نصف دِيَته». قَالَ: وَيروَى مثله عَن عليّ- كرم الله وَجهه- فِي رِوَايَة.
وَهَذَا الْأَثر لَا أعلم من خرجه عَنهُ، وَرَأَيْت بِخَط بَعضهم أَنه مُنْقَطع؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة الشّعبِيّ عَنهُ فليتتبع.

.الْأَثر الْخَامِس:

أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «قتل خَمْسَة أَو سَبْعَة بِرَجُل قَتَلُوهُ غيلَة، وَقَالَ: لَو تمالأ عَلَيْهِ أهل صنعاء لقتلتهم جَمِيعًا».
وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن يَحْيَى بن سعيد عَن سعيد بن الْمسيب: «أَن عمر بن الْخطاب قتل نَفرا خَمْسَة أَو سَبْعَة بِرَجُل قَتَلُوهُ قتل غيلَة، وَقَالَ: لَو تمالأ عَلَيْهِ أهل صنعاء لقتلتهم جَمِيعًا». وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْأُم عَن مَالك كَذَلِك، وَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي تَرْجَمَة بَاب قَالَ: قَالَ لي ابْن بشار: حَدثنَا يَحْيَى، عَن عبيد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَن غُلَاما قُتل غيلَة، فَقَالَ عمر: لَو اشْترك فِيهِ أهل صنعاء لقتلتهم». قَالَ البُخَارِيّ: وَقَالَ مُغيرَة بن حَكِيم، عَن أَبِيه: «إِن أَرْبَعَة قتلوا صبيًّا فَقَالَ عمر...» مثله. وَفِي رِوَايَة للدارقطني وَالْبَيْهَقِيّ الْجَزْم «بِأَن عمر قتل سَبْعَة فِي دم غُلَام اشْتَركُوا فِي قَتله، وَقَالَ: لَو تمالأ عَلَيْهِ أهل صنعاء لقتلتهم جَمِيعًا».
وَفِي رِوَايَة للبيهقي بإسنادٍ جيد عَن جرير بن حَازِم، أَن الْمُغيرَة بن حَكِيم الصَّنْعَانِيّ حَدثهُ، عَن أَبِيه: «أَن امْرَأَة من صنعاء غَابَ عَنْهَا زَوجهَا وَترك فِي حجرها ابْنا لَهُ من غَيرهَا، غُلَام يُقَال لَهُ: أصيل، فاتخذت الْمَرْأَة بعد زَوجهَا خَلِيلًا، فَقَالَت لخليلها: إِن هَذَا الْغُلَام يفضحنا فاقتله. فَأَبَى فامتنعت مِنْهُ، فطاوعها فَاجْتمع عَلَى قَتله الرجل وَرجل آخر وَالْمَرْأَة وخادمها فَقَتَلُوهُ، ثمَّ قطعوه أَعْضَاء وجعلوه فِي عَيْبةٍ من أَدَم وطرحوه فِي ركية فِي نَاحيَة الْقرْيَة وَلَيْسَ فِيهَا مَاء، ثمَّ صاحت الْمَرْأَة، فَاجْتمع النَّاس فَخَرجُوا يطْلبُونَ الْغُلَام، قَالَ: فَمر رجل بالركية الَّتِي فِيهَا الْغُلَام فَخرج مِنْهَا الذُّبَاب الْأَخْضَر فَقلت وَالله إِن فِي هَذِه لجيفة وَمَعِي خليلها فَأَخَذته رعدة، فذهبنا بِهِ فحبسناه وَأَرْسَلْنَا رجلا فَأخْرج الْغُلَام، فأخذنا الرجل فاعترف فَأخْبرنَا الْخَبَر فَاعْترفت الْمَرْأَة وَالرجل الآخر وخادمها، وَكتب لعَلي- وَهُوَ يَوْمئِذٍ أَمِير- بشأنهم فَكتب إِلَيْهِ عمر بِقَتْلِهِم جَمِيعًا، وَقَالَ: وَالله لَو أَن أهل صنعاء اشْتَركُوا فِي قَتله لقتلتهم أَجْمَعِينَ».
فَائِدَة:
صَنْعاء: بِفَتْح الصَّاد وَإِسْكَان النُّون وبالمد فِيهِ وَهِي صنعاء الْيمن، وَهِي قَاعِدَة الْيمن، وَهِي من عجائب الدُّنْيَا كَمَا قَالَه الشَّافِعِي، وينسب إِلَيْهَا صنعاني عَلَى غير قِيَاس. وَذكر الْحَازِمِي فِي مؤتلفه: أَن صنعاء الْيمن يُقَال لَهَا: أَزَال، بِفَتْح الْهمزَة وَالزَّاي، ثمَّ ألف، ثمَّ لَام، وَيجوز كسرهَا وَضمّهَا، ذكره فِي بَاب الْهمزَة. وَذكر فِي حرف الضَّاد الْمُعْجَمَة أَن ضنعان لُغَة قَليلَة فِي صنعاء.
فَائِدَة ثَانِيَة:
لَهُم صنعاء دمشق قَرْيَة كَانَت فِي جَانبهَا الغربي فِي نَاحيَة الربوة، وَصَنْعَاء الرّوم.
فَائِدَة أُخْرَى: الغِيْلة: بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة، ثمَّ يَاء مثناة تَحت سَاكِنة بنقطتين.
تَنْبِيهُ:
الْحِيلَة والغيلة عَلَى أَنْوَاع:
أَحدهَا: الحنكة وَالْقَتْل هَذَا وَهُوَ أَن يحتال فِي قَتله. ثَانِيهَا: قتل الفتك وَهُوَ أَن يكون آمنا فيراقب حَتَّى يجد مِنْهُ غَفلَة فيقتله. ثَالِثهَا: قتل الصَّبْر وَهُوَ الْقَتْل مجاهرة. رَابِعهَا: قتل الْغدر وَهُوَ الْقَتْل بعد الْأمان وَقَوله: «تمالأ» هُوَ مَهْمُوز أَي: تعاون، قَالَ عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «وَالله مَا قتلت عُثْمَان وَلَا مالأت فِي قَتله» أَي عاونت. قَالَ الْخطابِيّ فِي تصاحيف الروَاة: هُوَ مَهْمُوز من الْمَلأ، أَي صَارُوا كلهم مَلأ وَاحِدًا فِي قَتله، قَالَ: والمحدثون يَقُولُونَهُ بِغَيْر همز، وَالصَّوَاب الْهَمْز؛ لِأَن الْمَلأ مَهْمُوز غير مَقْصُور الْعَصَا.

.الْأَثر السَّادِس:

قَالَ الرَّافِعِيّ عَن أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ: عِنْدِي أَنه لَا يقْتَصّ باللطمة، كَمَا لَا يقْتَصّ بالهاشمة؛ لِأَن لَا قصاص فِي اللَّطْمَة لَو انْفَرَدت كالهاشمة، وَاحْتج لَهُ بأثر عليّ- كرم الله وَجهه- وَهَذَا حسن.
هَذَا الْأَثر غَرِيب كَذَلِك، وَقَالَ البُخَارِيّ عَكسه، فَقَالَ فِي أثْنَاء الدِّيات: وأقاد أَبُو بكر وَابْن الزبير وعليّ وسُويد بن مقرن من لطمة.

.الْأَثر السَّابِع وَالثَّامِن:

عَن عمر وعليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَنَّهُمَا قَالَا: «من مَاتَ من حدٍّ أَو قصاص فَلَا دِيَة لَهُ، الْحق قَتله».
وَهَذَا رَوَاهُ عَنْهُمَا الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث عَطاء عَن عبيد بن عُمَيْر، عَن عمر بن الْخطاب وَعلي أَنَّهُمَا قَالَا: «فِي الَّذِي يَمُوت فِي الْقصاص: لَا دِيَة لَهُ». ثمَّ رَوَى من حَدِيث الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن أبي يَحْيَى، عَن عَلّي، قَالَ: «من مَاتَ فِي حد فَإِنَّمَا قَتله الْحَد فَلَا عقل لَهُ مَاتَ فِي حد من حُدُود الله». قَالَ ابْن الْمُنْذر: ورويناه عَن أبي بكر أَيْضا.
تَنْبِيه:
لما ذكر الرَّافِعِيّ، عَن أبي إِسْحَاق: «أَن الشلاء لَا تقطع مُطلقًا» علله بِأَن الشَّرْع لم يرد بِالْقصاصِ فِيهَا، ثمَّ ذكر أَن الْمَشْهُور أَنه يُرَاجع أهل الْخِبْرَة... إِلَى آخِره. وَيُؤَيّد مَا ذكره مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن عمر أَنه قَالَ: «فِي الْيَد الشلاء ثلث دِيَتهَا». قَالَ: وروينَا عَن مَسْرُوق أَنه قَالَ: «فِي الْيَد الشلاء حكم» وَعَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه قَالَ: «فِي الْيَد الشلاء حُكُومَة عدلٍ».